الضحك المعتدل بلسم للهموم ومرهم للأحزان ،وله قوة عجيبة في فرح الروح ، وجذل القلب ،حتى قال أبو الدرداـ رضي الله عنه ـ : إني لأضحك حتى يكون اجماما لقلبي.وكان أكرم الناس" صلى الله عليهيضحك أحيانا حتى تبدو نواجذه.وهذا ضحك العقلاء البصراء بداء النفس ودوائها .
والضحك ذروة الانشراح وقمة الراحة ونهاية الانبساط . ولكنه ضحك بلا
تكثر الضحك .فان كثرة الضحك تميت القلب"الإسراف:"لا
ولكنه التوسط:" وتبسمك في وجه أخيك صدقة " . ( فتبسم ضاحكا من قولها )
ومن نعيم أهل الجنة الضحك يضح:( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون).
وكانت العرب تمدح ضحوك السن ،وتجعله دليلا على سعة النفس وجود الكف ،و سخاوة الطبع ،وكرم السجايا ،ونداوة الخاطر .
وقال زهير في"هرم".
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
والحقيقة أن الإسلام بني على الوسيطة و الاعتدال في العقائد و العبادات والأخلاق و السلوك، فلا عبوس مخيف، ولا قهقهة مستمرة عابثة لكنه جد وقور ، خفة روح واثقة
يقول أبو تمام :
نفسي فداء أبي علي انه صبح المؤمل كوكــب متــــأمــل
فكه يجم الجد أحيانا وقد ينضو ويهزل عيش من لم يهزل
إن انقباض الوجه والعبوس علامة على تذمر النفس، وغليان الخاطر، وتعكر المزاج (ثم عبس وبسر )
" ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق "
يقول احمد أمين في " فيض خاطر " ( ليس المبتسمون للحياة اسعد حالا لأنفسهم فقط ،بل هم كذلك اقدر على العمل ، وأكثر احتمالا للمسؤولية ،وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب ،والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم وتنفع الناس .
لو خيرت بين مال كثير أو منصب خطير، وبين نفس راضية باسمة، لاخترت الثانية، فما المال مع العبوس ؟ وما المنصب مع انقباض النفس ؟ وما كل ما في
الحياة إذا كان صاحبه ضيقا حرجا كأنه عائد من جنازة حبيب ؟ وما جمال الزوجة إذا عبست و قلبت بيتها جحيما ؟ لخير منها ـ ألف مرة ـ زوجة لم تبلغ مبلغها في الجمال وجعلت بيتها جنة.
ولا قيمة للبسمة الظاهرة إلا إذا كانت منبعثة مما يعتري طبيعة الإنسان من الشذوذ، فالزهر باسم والغابات باسمة، والبحار والأنهار والسماء والنجوم و الطيور كلها باسمة. وكان الإنسان بطبعه باسما لولا ما يعرض له من طمع و شر و أنانية تجعله عابسا ،فكان بذلك نشازا في نغمات الطبيعة المنسجعة ، ومن اجل هذا لا يرى الجمال من عبست نفسه ، ولا يرى الحقيقة من تدنس قلبه ، فكل إنسان يرى الدنيا من خلال عمله و فكره و بواعثه ، فإذا كان العمل طيبا و الفكر نظيفا و البواعث طاهرة ،كان منظاره الذي يرى به الدنيا نقيا ، فرأى الدنيا جميلة كما خلقت ، وإلا تغبش منظاره ، واسود زجاجه ، فرأى كل شيء اسود مغبشا .
هناك نفوس تستطيع إن تصنع من كل شيء شقاء ، ونفوس تستطيع أن تصنع من كل شيء سعادة، هناك المرأة في البيت لا تقع عينيها إلا على الخطأ ، فاليوم اسود ، لان طبقا كسر ، و لان نوعا من الطعام زاد الطاهي في ملحه ، أو لأنها عثرت على قطعة من الورق في الحجرة، فتهيج وتسب ، ويتعدى السباب إلى كل من في البيت ، وإذا هو شعلة من نار ، وهناك رجل ينغص على نفسه وعلى من حوله من كلمة يسمعها أو يؤولها تأويلا سيئا ، أو من عمل تافه حدث له ، أو حدث منه ، أو من ربح خسره، أو من ربح كان ينتظره فلم يحدث ، أو نحو ذلك ، فإذا الدنيا كلها سوداء في نظره ، ثم هو يسودها على من حوله . هؤلاء عندهم قدرة المبالغة في الشر ، فيجعلون من الحبة قبة ، ومن البذرة شجرة ، وليس عندهم قدرة على الخير، فلا يفرحون بما أوتوا ولو كثيرا ، ولا ينعمون بما نالوا ولو عظيما
الحياة فن، وفن يتعلم، ولخير للإنسان أن يجد في وضع الأزهار و الرياحين والحب في حياته، من إن يجد في تكديس المال في جيبه أو في مصرفه. ما الحياة إذا وجهت كل الجهود فيها لجمع المال، ولم يوجه أي جهد لترقية جانب الرحمة والحب فيها و الجمال ؟
أكثر الناس لا يفتحون أعينهم لمباهج الحياة ، و إنما يفتحونها للدرهم والدينار ،
يمرون على الحديقة الغناء، والأزهار الجميلة، والماء المتدفق، والطيور المغردة،
فلا يأبهون لها ، وإنما يأبهون لدينار يدخل ودينار يخرج . قد كان الدينار وسيلة للعيشة السعيدة ، فقلبوا الوضع و باعوا العيشة السعيدة من اجل الدينار ، وقد ركبت فينا العيون لنظر الجمال فعودناها إلا تنظر إلا إلى الدينا.
ليس يعبس النفس والوجه كاليأس ، فان أردت الابتسام فحارب اليأس ، إن الفرصة سانحة لك وللناس ، والنجاح مفتوح بابه لك وللناس ، فعود عقلك تفتح الأمل ، وتوقع الخير في المستقبل .
إذا اعتقدت انك مخلوق للصغير من الأمور لم في الحياة إلا الصغير ، وإذا اعتقدت انك مخلوق لعظائم الأمور شعرت بهمة تكسر الحدود و الحواجز، وتنفذ منها الى الساحة الفسيحة والغرض الاسمي، ومصداق ذلك حادث في الحياة المادية فمن دخل مسابقة مائة متر شعر بالتعب اذا هو قطعها، ومن دخل المسابقة أربعمائة لم يشعر بالتعب من المائة والمائتين . فالنفس تعطيك من الهمة بقدر ما تحدد من الغرض . حدد غرضك، وليكن ساميا صعب المنال ، ولكن لا عليك في ذلك ما دمت كل يوم تخطو إليه خطوا جديدا. إنما يصد النفس ويعبسها و يجعلها في سجن مظلم : اليأس و فقدان الأمل ، والعيشة السيئة برؤية الشرور ، والبحث عن معايب الناس ، و التشدق بالحديث عن السيئات العالم لا غير.
وليس يوفق الإنسان في شيء كما يوفق إلى المرب ينمي ملكاته الطبيعية ، ويعادل بينها ويوسع افقه ، ويعوده السماحة وسعة الصدر ، ويعلمه إن خير غرض يسعى إليه إن يكون مصدر خير للناس بقدر ما يستطيع ، وان تكون نفسه شمسا مشعة للضوء والحب والخير ، وان يكون لبه مملوءا عطفا وبرا وإنسانية ، وحبا لإيصال الخير لكل من اتصل به .
النفس الباسمة ترى الصعاب فيلدها التغلب عليها، تنظرها فتبسم ، وتعالجها فتبسم، وتتغلب عليها فتبسم، والنفس العابسة لا ترى صعابا فتخلفها، وإذا رأتها أكبرتها و استصغرت همتها وتعللت بلو وإذا وان، وما الدهر الذي يلعبه إلا مزاجه وتربيته، انه يؤد النجاح في الحياة ولا يريد إن يدفع ثمنه، انه يرى في كل طريق أسدا رابضا ، انه ينتظر حتى تمطر السماء ذهبا أو تنشق الأرض عن كنز.
إن الصعاب في الحياة أمور نسبية، فكل شيء عب جدا عند النفس الصغيرة جدا، ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة،و بينما النفس العظيمة تزداد عظمة بمغالبة الصعاب إذا بالنفوس الهزيلة تزداد سقما بالفرار منها، وإنما العاب كالكلب العقور، إذا رآك خفت منه و جريت،نبحك وعدا وراءك، وإذا راءاك تهزا به ولا تعيره اهتماما وتبرق له عينيك، أفسح الطريق لك، وانكمش في جلده منك.
ثم لا شيء اقتل للنفس من شعورها بضعتها وصغر شانها وقلة قيمتها، وأنها لا يمكن أن يصدر عنها عمل عظيم، ولا ينتظر منها خير كبير. هذا الشعور بالضعة يفقد الإنسان الثقة بنفسه و الإيمان بقوتها، فإذا أقدم على عمل ارتاب في مقدرته وفي
إمكان نجاحه، وعالجه بفتور ففشل فيه.
الثقة بالنفس فضيلة كبرى عليها عماد النجاح في الحياة، وشتان بينهما وبين الغرور الذي يعد رذيلة، والثقة بالنفس اعتمادها على مدرتها على تحمل المسؤولية،
وعلى تقوية ملكات وتحسين استعدادها))